من بين مختلف النباتات في الطبيعة تميزت شجرة الزيتون بمواصفات فريدة هيأت لها مكانة خاصة على امتداد الحضارات الانسانية، فهي اول شجرة يرد ذكرها في الانجيل ضمن قصة نوح والطوفان .
مكانة هذه الشجرة حين اقسم بها الباري سبحانه وتعالى في القران الكريم. وفي الوقت الذي كان فيه الاغريق يزينون رؤوسهم باوراق الزيتون، انصرف الفراعنة الى استخدامها في تحنيط موتاهم.
اول وصفة طبية استخدمت ورق الزيتون كمادة علاجية فهي تلك التي اوردها دانييل هانبري في مجلة Pharmaceutical Journal وتعود لعام 1854 مستخدما هذا النبات لعلاج الحمى الشديدة والملاريا، ونصت الوصفة على ما يلي:
“إغل مقدار قبضة يد من ورق الزيتون في قدح ماء كبير لحين تبخر نصف كمية الماء، ثم تناول الماء المتبقي بما مقداره قدح نبيذ صغير كل ثلاث الى اربع ساعات لحين اختفاء الحمى”
بدأت الابحاث العلمية تولي اهتماما كبيرا بالفوائد الطبية لشجرة الزيتون , وخصوصاً الدول المطلة على البحر المتوسط مثل اسبانيا وايطاليا واليونان وتونس . حيث تعتبر هذه الدول من اكثر دول العالم المنتجة والمصدرة لزيت الزيتون.
واثبتت الاحصائيات الطبية ان انخفاض معدلات الاصابة بامراض القلب والسرطان في منطقة حوض البحر المتوسط يرجع الى العادات الغذا~ئية الصحية لسكان هذه المنطقة والمشتملة بصورة رئيسة على استهلاك زيت الزيتون.
من هذه النقطة توجهت العديد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وكندا واستراليا واليابان الى تكثير زراعة اشجار الزيتون ضمن اراضيها ، لكون هذه الدول من اكثر دول العالم استهلاكا للزيتون.
كان الاعتقاد بان القيمة الصحية لزيت الزيتون تعود لوجود الاحماض الشحمية غير المشبعة والتي تمثل اغلب مركبات الزيت. اكتشف فيما بعد وجود مواد اخرى بكميات نزرة جدا تسمى الفينولات Phenols هي التي تشارك الاحماض الشحمية غير المشبعة بالقيمة الصحية لزيت الزيتون.
اهم واقوى هذه الفينولات تاثيرا مادة اطلق عليها اسم الاوليوروبين Oleuropein، واعتبر ت هذه المادة هي المركب الفعال في الزيتون ووجد ان طعم الزيتون المرّ يعود لوجود هذه المادة في تركيبه ولا يقتصر وجود الاوليوروبين على الثمرة وانما يتعداه ليشمل بقية اجزاء الشجرة الاخرى كاللحاء والخشب والبذور بينما تشكل الاوراق المصدر الاغنى بالاوليوروبين بين بقية الاجزاء الاخرى ، اذ يحتوي الكيلوغرام الواحد من الورق ما مقداره حوالي الغرامين من هذه المادة.
وقد عزيت مقاومة شجرة الزيتون لشتى اشكال العفائن والبكتريا والحشرات لوجود هذه المادة فيها. ليس هذا فقط فقد قامت بعض الشركات الدوائية مثل شركة ابجون Upjohn الاميركية بدراسة الفعالية المضادة الحيوية للاوليوروبين على مجموعة كبيرة من الفيروسات بل وانه وجد فعالا ضد جميع الفيروسات التي تم فحصها بما في ذلك فيروس الايدز وفيروس الهربس.
ونظرا لسهولة زراعة الزيتون وكون الشجرة مورقة على مدار السنة ، استخدم الورق كمصدر اساس في الحصول على الاوليوروبين كمادة نقية مئة بالمئة او بشكل مستخلص يحتوي على تراكيز مختلفة من الاوليوروبين تتراوح من 20 - 50.
استخدم الاوليوروبين نقيا او بشكل مستخلص خام لورق الزيتون في العديد من الابحاث التي وجهت للكشف عن قيمته العلاجية , فبالاضافة إلى قدرته الفائقة على قتل عدد كبير من اشكال البكتريا والفيروسات والطفيليات والعفائن ، وجد إن الاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون تمتلك القدرة على خفض الارتفاع بضغط الدم وعلاج داء السكري وتقليل احتمالية الاصابة بالجلطة القلبية.
ففي عام 1962 وجد احد العلماء الايطاليين إن الاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون يخفض ارتفاع ضغط الدم في الحيوانات المختبرية.
هذه النتيجة الملفتة للنظر حفزت العديد من العلماء للبحث عن فوائد علاجية اخرى ضمن السنوات التالية ليصل عدد الابحاث الطبية المسجلة فقط حتى عامنا هذا ما يزيد عن المئة بحث , انصبت اغلب الابحاث حول التاثيرات العلاجية (للاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون) في علاج ارتفاع ضغط الدم وداء السكري وامراض القلب بالاضافة إلى قوة الاوليوروبين كمضاد حيوي ، فعلى سبيل المثال وجد مجموعة من العلماء في جامعة ميلان للعلوم الصيدلانية إن الاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون يمنع عملية اكسدة البروتينات الدهنية واطئة الكثافة. مثل عملية الاكسدة هذه لو حدثت يمكن إن ينتج عنها ما يسمى بالكوليسترول السيء والذي يؤدي إلى انسداد الشرايين التاجية ومن ثم الجلطة القلبية.
من هنا استنتج بعض العلماء الاوربيين إن مادة الاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون يمكن إن تزيد من مقدار تدفق الدم في الشرايين التاجية وتنظم ضربات القلب بالاضافة إلى تقليل التشنجات والاضطرابات المعوية.
وفي جامعة غرينادا في اسبانيا وجد علماء الصيدلة إن خلاصة ورق الزيتون تسبب استرخاء العضلات الملساء في الحيوانات المختبرية مما يؤكد مرة اخرى على فعالية هذه المادة في علاج ارتفاع ضغط الدم .
وفي تونس اثبت بعض الباحثين نفس النتائج بالاضافة إلى قدرة المستخلص على تخفيض مستوى السكر وحامض اليوريك في الدم لدى القوارض.
هذه النتائج تظهر جليا امكانية استخدام خلاصة ورق الزيتون الاوليوروبين في علاج ارتفاع ضغط الدم ، داء السكري ، امراض القلب ، وداء الملوك (النقرس).
نتائج مشابهة ايضا توصل اليها فريق عمل يمثل مجموعة من العلماء من مصر والمانيا في الاونة الاخيرة.
ومثل اغلب بقية المواد الفعالة المستخلصة من المواد الغذائية، فان درجة سمية مادة الاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون تكاد تكون شبه معدومة اذ تم اعطاء بعض الاشخاص ما يصل مقداره حوالي العشر غرامات كجرعة يومية دون حدوث تاثيرات سلبية ملموسة ، علما بان الكمية العلاجية الفعالة والكافية لا تصل إلى جزء بالالف من هذه الجرعة العالية.
وفي دراسة متفردة هي الاولى من نوعها تمكن احد علمائنا النجباء من اجراء مجموعة من الابحاث المهمة على هذه المادة العجيبة.
حسن فياض العزاوي ، وهو استاذ مساعد في قسم العلوم الاساسية في كلية الزراعة بجامعة بغداد وباحث متخصص في الكيمياء السريرية البيولوجية ، قام باستخلاص مادة الاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون بطريقة جديدة إلى درجة نقاوة تصل المئة بالمئة بالاضافة إلى اعداد مستخلص ورق الزيتون بتراكيز مختلفة من الاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون ودراسة تاثيراته العلاجية على ارتفاع سكر الدم في الارانب المختبرية وفي الاشخاص المصابين بداء السكري.
شملت دراسة الاستاذ العزاوي تاثير المادة على مستقبلات الانسولين ، وهو الهرمون المنظم لمستوى السكر في الدم ، والخلايا النسيجية المنتجة لهذا الهرمون في البنكرياس. اخبرنا الباحث فان الدراسة تضمنت ما يقارب الخمس اكتشافات تسجل لعلمائنا لم يتطرق اليها مسبقا.
ولعل ابرز نتائج مجموعة الاكتشافات هذه هو القدرة الفائقة للاوليوروبين أو خلاصة ورق الزيتون علىتخفيض سكر الدم لدى مرضى السكري مما يفوق الثلاثمئة ملغرام في الديسيمتر من الدم.
وسيتم نشر نتائج ابحاث السيد حسن العزاوي ضمن اطروحته الخاصة والمقدمة لنيل شهادة الدكتوراه، بالاضافة إلى نشر العديد منها في بعض المجلات ذات الاختصاص.
عدد كبير من الابحاث المسجلة وغير المسجلة اثبتت إن خلاصة ورق الزيتون أو الاوليوروبين قد تكون مادة واعدة في علاج عدد كبير من الامراض المنتشرة حاليا .
كالامراض الناشئة عن الاصابة بالبكتريا والفيروسات والطفيليات مثل الانفلونزا، السحايا، الايدز، الهربس، التهاب الكبد الفيروسي، الملاريا ، التدرن ، ذات الرئة ، الحصبة ، خمج الدم وغيرها.
وعلاج العديد من الامراض المزمنة كداء السكري وارتفاع ضغط الدم وامراض القلب والشرايين. وكتحصيل حاصل لهذه النتائج الايجابية فقد دخل مستخلص ورق الزيتون السوق التجاري منذ عام 1995 ليظهر بشكل مراهم ومحاليل ومستحضرات تستخدم للعديد من الاغراض العلاجية بالاضافة إلى انتاجه بشكل كبسول تحت اسم (خلاصة ورق الزيتون).
منقول