مع تغير الطقس والاختلاف الواضح بين درجتي الحرارة النهارية والليلية يصاب الكثير من الأشخاص بالإنفلونزا أو الكريب و قد تصل نسبة الإصابة في بعض العائلات لحدود 70-100% من أفرادها.
ويعود ذلك لعدم اتباع الوقاية الضرورية في هذا النوع من الأمراض مما يسهم إلى حد كبير في انتشاره في مجتمعنا الذي يعاني من كثير من العادات السيئة التي لا ينتبه لضررها ومنها على سبيل المثال عادة التقبيل خلال تلاقي الأصدقاء والتي تنتشر بين الرجال مثلما تنتشر بين النساء وكذلك الازدحام الذي يحدث في أماكن العمل والمدارس والجامعات،
وأخطرها دور العبادة حيث يرتادها المرضى متناسين القاعدة الشرعية التي وردت على لسان الرسول الكريم «ليس على المريض حرج» وكذلك الحديث الشريف «لا ضرر ولا ضرار» والذي يمكن أن يفهم منه حرمة ارتياد المرضى المصابين بالأمراض المعدية للمساجد باعتبار أنهم يجلبون الضرر لمن يجاورهم خلال الصلاة من خلال سعالهم وعطاسهم في بيئة محدودة تعج غالباً بالمصلين الأصحاء وهم المرشحون لاكتساب العدوى التي ينفثها المصلي المريض لينقلوها بدورهم إلى أفراد عائلتهم وإلى زملائهم مساهمين في ذلك باستمرار سريان المرض.
حول هذا الزائر الثقيل الذي يصافحنا كل شتاء يقول الدكتور أنس عبد الرزاق ناعم، أستاذ الأمراض الداخلية والصدرية في كلية الطب في سوريا، ينجم الكريب أو الانفلونزا عن الإصابة بأحد نوعين من الحمات الراشحة وهما حمة الانفلونزا أ وحمة الانفلونزا ب .
وعادة تبدأ وافدات الإنفلونزا أمن مطلع شهر أكتوبر وتصل إلى الذروة في مطلع شهر ديسمبر، ثم تبدأ بعدها بالتراجع حتى تكاد تزول في مطلع شهر فبراير، أما وافدات الإصابة بفيروس الإنفلونزا ب، فتبدأ من مطلع شهر ديسمبر وتزداد تدريجياً لتبلغ حداً تحافظ عليه حتى نهاية الربيع تقريباً، وتوصف العدوى بأنها شديدة الانتشار حيث تتم من خلال القطيرات التي ينفثها المريض خلال عطاسه أو سعاله.
وقد قدر عدد الحمات الراشحة التي تحملها القطيرة الواحدة بحوالي مليون حمة قادرة على إحداث العدوى لدى مرورها للجهاز التنفسي للمجاورين الأصحاء حيث تبدأ فترة حضانة المرض التي تبلغ 18-72 ساعة يصبح بعدها المريض معدياً وتظهر لديه أعراض المرض المعروفة والتي تتضمن الحمى والصداع والآلام العضلية والسعال الجاف وسيلان الأنف واحتقان العينين،
وفي الحالة الطبيعية فإن بطانة القصبات الرئوية تحتوي على الملايين من الأهداب الدقيقة والتي تقوم بعملية كنس وتنظيف مستمر للمفرزات القصبية بدون أن يشعر الانسان الصحيح الجسم وقد بينت الدراسات المجراة بالمجهر الإلكتروني أن غالبية هذه الأهداب تزول لدى الإصابة بالانفلونزا مما يؤهب لركودة المفرزات القصبية وفي غياب الاختلاطات فإن ترميم البشرة القصبية المصابة وعودة الأهداب يتطلب عادة حوالي سبعة أيام تبقى خلالها القصبات عرضة للإصابة بالالتهاب بجراثيم متنوعة.
مضاعفات
من الطبيعي أن الأطفال الرضع وكبار السن والمرضى المصابين بالآفات القلبية أو الرئوية والمصابين بنقص المناعة ومنهم مرضى السكري والمصابون بأمراض الدم يعانون أكثر من غيرهم من تظاهرات المرض وهم أكثر عرضة لاختلاطاته التي يمكن تصنيفها في قسمين:
- الأول: يضم الاختلاطات الرئوية وهي:
ـ داء الضائقة التنفسية عند الرضع
ـ ذات الرئة الفيروسية البدئية
ـ ذات الرئة الجرثومية الثانوية
- الثاني: يضم الاختلاطات خارج الرئوية منها ما هي شائعة مثل:
ـ التهاب الجيوب الجرثومي
ـ التهاب اللوزات القيحي
ـ التهاب الأذن الوسطى الجرثومي
ومنها ما هي لحسن الحظ نادرة جداً وتتضمن:
ـ التهاب العضلات خاصة عند الأطفال وبصورة خاصة في الانفلونزا بـ اعتلال الدماغ.
متلازمة راي: حيث يصاب المريض بالغثيان والاقياء والخبل الذي قد يصل إلى درجة فقد الوعي ويحدث خاصة في الأطفال وخصوصاً لدى تعاطي الأسبرين.
ـ متلازمة غيلان باريه: والتي يحدث فيها شلل عصبي محيطي مع إمكانية إصابة عضلات التنفس.
وتنجم الوفيات التي تحدث في سياق الإنفلونزا غالباً عن ذات الرئة الجرثومية الثانوية أو عن تطور حدوث قصور العضلة القلبية وعادة فإن أكثر من 90% من هذه الوفيات تحدث لدى المصابين الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة، ويمكن أن نلاحظ كثرة خيم التعازي في الفترة التي تصل فيها جائحة الكريب إلى الذروة
وغالباً ما تعزى الوفاة إلى تدهور مترقي وغير قابل للتراجع في الوضع الصحي لمريض مصاب أصلاً بمرض قلبي أو رئوي مثلاً دون أن يتذكر من هم في محيط المريض أن الشرارة الأولى لهذا التدهور المفاجيء كانت عبارة عن هجمة الانفلونزا التي حدثت قبل أسبوع أو أكثر من هذا التدهور.
التشخيص سهل
لا يحتاج التشخيص عادة للكثير من الإجراءات ويكفي أن نضع في الأذهان أعراض المرض التي سبق ذكرها وخصوصاً الحمى التي لا يوجد بالفحص السريري ما يفسرها مع احتقان البلعوم وخشونة الأصوات التنفسية وذلك بوجود قصة جائحة للكريب مع إصابة أكثر من فرد في العائلة الواحدة ولا يتطلب الأمر أي فحص مخبري أو شعاعي إلا في حال الشك بحدوث أحد الاختلاطات المذكورة للكريب،
إنما قد تجرى بعض الفحوصات المخبرية المعقدة كاستنبات الحمات الراشحة في مسحة البلعوم وعيار الأضداد المصلية لحمات الانفلونزا وهذه الفحوصات تجرى عادة في المراكز الصحية العالمية بهدف معرفة أنماط حمة الكريب التي سببت الجائحة أو لدى الشك بوجود أنماط أخرى من جائحات الانتانات الحموية الغامضة والفتاكة كإنفلونزا الطيور والسارس على سبيل المثال.
العلاج
لا تستوجب الحالات الخفيفة والمتوسطة الشدة زيارة الطبيب وخصوصاً المصابين الأصحاء الذين ليس لديهم سوابق مرضية قلبية أو رئوية أو دموية ويكفي عادة الراحة في المنزل وتناول السوائل الدافئة ومضادات السعال وخافضات الحرارة مع تجنب الأسبرين خصوصاً بالنسبة للمرضى الذين تتراوح أعمارهم من 6 أشهر وحتى 18 سنة (خشية حدوث متلازمة راي )،
إنما ينصح بمراجعة الطبيب لدى ظهور الأعراض التي توحي بحدوث اختلاط ما كظهور ضيق النفس واستمرار الحمى العالية الدرجة (أكثر من 40) وخصوصاً عند المسنين والرضع الذين سرعان ما يصابون بالتجفاف، وكذلك السعال مع تقشع مصفر أو خروج دم مع القشع أو صفير صدري خصوصاً لدى مرضى الربو أو حدوث آلام صدرية أو آلام جبهية أو آلام بلعومية شديدة،
وتتوفر في الدول الغربية علاجات عديدة تطبق فقط لدى المرضى المسنين والمرضى ذوي الخطورة العالية منها ما يعطى بطريق الفم ومنها ما يعطى إنشاقاً، وهذه العلاجات يجب أن تعطى بشكل مبكر في سياق المرض كي تكون فعالة.
الوقاية
تبقى الوقاية دوماً أفضل من العلاج وتتم عادة بالابتعاد قدر الإمكان عن المرضى وأدواتهم ونبذ العادات السيئة التي سبق الحديث عنها ويمكن أن تعطى الأدوية العلاجية نفسها المذكورة أعلاه بشكل وقائي للمرضى المسنين وذوي الخطورة العالية لدى ظهور جائحة الانفلونزا، ويبقى لقاح الكريب وسيلة فعالة إلى حد ما، وثمة نوعان من هذا اللقاح:
الأول: يصنع من عدة سنوات ويتم تحضيره سنوياً من ذراري فيروسات الانفلونزا آ و ب الميتة المستنبتة في آح البيض والتي سبق أن أحدثت جائحة للانفلونزا خلال العام الذي يصنع فيه اللقاح ويعطى في شهر سبتمبر بشكل حقنة واحدة تحت الجلد أو في العضل بغية إحداث وقاية من الكريب خلال العام التالي حيث تكاد تصل نسبة هذه الوقاية لحوالي 70%،
ويتطلب تشكل الأضداد اللازمة للتمنيع مرور حوالي أربعة أسابيع بعد الحقن، وهذا اللقاح يعطى عادة للمسنين والمصابين بالأمراض المزمنة التي سبق ذكرها وليس له أي محاذير باستثناء حدوث التحسس لدى المصابين بالتحسس للبيض باعتبار أنه يستنبت كما ذكرنا في آح البيض، وقد دأبت منذ عدة سنوات على إعطاء هذا اللقاح لمجموعات المرضى ذوي الخطورة العالية وخصوصاً مرضى الربو والتوسع القصبي والقصور التنفسي والتليف الرئوي والتهاب القصبات المزمن ومرضى القلب.
اللقاح الثاني: يتم انتاجه منذ عام 2003 وهو مصنع من ذراري فيروسات الانفلونزا المضعفة ويعطى فقط للأشخاص الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم من 5-49 سنة والذين لا يتوقع أن تحدث لديهم اختلاطات نتيجة الإنفلونزا